أعلام جربة: سليمان الجادوي

نشأته

سليمان بن قاسم الجادوي (1287 هـ/1871م - 20 صفر 1373هـ/19 نوفمبر 1951) أحد أعلام النهضة الصحفية في تونس،  ولد في آجيم  وينسب أسلافه إلى بلدة جادو التي توجد وسط جبل نفوسة بالقطر الليبي.

تعليمه

تعلم مبادئ العلوم على أجداده ثم سافر إلى تونس لمواصلة دراسته في جامع الزيتونة تتلمذ على خيرة المشائخ منهم الشيخ محمد النجار المفتي المالكي والشيخ أحمد بيرم، شيخ الإسلام والشيخ محمد بن يوسف المفتي الحنفي والشيخ عثمان ابن المكي والشيخ مصطفى رضوان وغيرهم اجتهد الجادوي في تحصيل العلوم. فدرس العلوم الفقهية والأدبية والتاريخية وغيرها على علماء الزيتونة ثم شعر بحاجة إلى المزيد في الفقه الإباضي وأصوله وتاريخه فسافر إلى طرابلس ليدرس على الشيخ عبد الله الباروني في مدرسته بمدينة يفرن بجبل نفوسة بعد ما تشبع بالفقه المالكي لمتابعة تعليمه في الفقه الإباضي ومحاولة الإلمام به فلازم دروس الشيخ عبد الله الباروني. وصاحبه في هذه الرحلة زميله الشيخ سعيد بن تعاريت سنة 1314 ه/ 1896 م فلزم دروس الشيخ عبد الله بن يحيى بن أحمد الباروني بمدرسته بالبخابخة وخاصة في الفقه الإباضي والأصولي والعقائدي ودرس عليه آتب السيرة وغيرها.

العمل

اشتغل الجادوي بعد عودته من جبل نفوسة في التجارة في تونس العاصمة  حيث فتح له دكانا بسوق اللفة بالعاصمة ودخل عالم الصحافة سنه 1906 لإيمانه بدور الصحافة في التوعية ودعم النضال الوطني وأسس صحيفة "المرشد" لكنها حجبت عديد المرات بسبب مواقف الجادوي المعادية للاستعمار وعطلت نهائيا سنة 1908 . يقول علي بالحاج يحيى " وسجن بسببها الجادوي وغرم فعد بذلك من الأوائل الذين سجنوا من أجل حرية التعبير الصحفي ". وكلما تعنتت السلطة ازداد الجادوي إصرارا على المواجهة وصمودا في مواقفه وهو ما نستشفه من معاودته تأسيس جريدتين: الأولى تحت عنوان "مرشد الأمة" سنة 1909 واصل فيها توجهه الإصلاحي في أسلوب نقدي ساخر. وقد تعرضت هي الأخرى إلى مضايقات رجال السياسة الموالين للسلطات الفرنسية أنذاك وعطلت ثلاث مرات إلى أن تعطلت نهائيا في ديسمبر 1950 . والثانية هزلية تحت عنوان "أبو نواس" كتب فيها الجادوي باللغة العربية الفصحى والعامية واعتمد فيها الأسلوب الساخر في نقده المجتمع التونسي والعالم الإسلامي عموما.

نشاطه السياسي

وقد شارك الجادوي في الحياة السياسية وكان من بين مؤسسي الحزب الحر الدستوري سنة 1920 وصديقا لعبد العزيز الثعالبي  و حرص على أن تنشر جريدته مقالات مناضلي الحزب للتعبير عن مواقفهم الوطنية و شاركهم في التصدي لدعاة الفرنسة و الجنيس و التسلط على الحريات. وكان من الناشطين النقابيين لكن تم إقصاؤه لاعتباره معارضا بارزا لإدارة الحماية في تونس.
في السنوات الحرب العالمية الأولى كون سليمان الجادوي في متجره بسوق اللفة “منتدى الوطنيين” ، ضم به بعض الصحافيين و المناضلين الدستوريين و شيوخ الزيتونة.
و مما يذكر له تصديه الحازم سنة 1925 لنصب تمثال “الكاردينال لفيجري” بباب بحر وسط العاصمة. فقد عجلت حملته الصحفية بإندلاع غضبة شعبية يوم 28نوفمر 1925 ثم قررت السلط الاستعماري بعد أيام تعطيل الجريدة لإحدى عشر سنة .

كتابه " الفوائد الجمة في منتخبات مرشد الأمة "

كتاب من الحجم الكبير يحوي 784 صفحة  جمع فيه أهم المقالات التي كتبها في جريدتي "المرشد" و "مرشد الأمة" وبعض المقالات لمفكرين سياسيين وصحافيين في تلك الفترة . وقد ضم هذا الكتاب 190 مقالا بقلمه. يقول علي بالحاج يحيى في تقييمه الكتاب " يعتبر اليوم مرجعا تاريخيا نادرا في الحركة الوطنية التونسية على المستويين السياسي والاجتماعي والصحفي الثقافي" لأنه وثق من خلال مقالاته كل الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تونس ونفس الأمر ينطبق على القطر الجزائري من خلال الرحلة التي قام بها سنة 1907

موقفه من انتشار الإسلام الطرقي

ساعد انتشار الجهل والقضاء على التعليم انتشار الطرقية والإسلام الشعبي فتحولت الزوايا التي كانت تضطلع بدور تعليمي و سياسي يتمثل في المقاومة وقيادة المظاهرات إلى زوايا تنشر الشعوذة والجهل ومنابر تدعو إلى التخاذل والكسل وأصبحت الطبقة العالمة شبيهة بعلماء الديانات في الأمم القديمة أو في النصرانية تعيش من جهل الشعب وتستثمره لتكسب قوتها على مرأى ومسمع أعيان البلاد .

وقد حذر الجادوي من خطورة هذا الوضع ونتائجه السلبية على المجتمع الجزائري خاصة أن هؤلاء الدجالين يقودون الرأي العام ويروجون لمقولات تزهد المسلم في الدنيا وتصور له أهوال يوم القيامة . ومن ثمة فهي تقتل بداخله الخلق وتبعث في نفسه التواكل و تبعده عن التفكير والعمل حتى يتمكن من الخروج من حالة الجمود الفكري التي يعانيها والسعي للحاق بركب الحضارة الغربية والوعي بحالة التخلف التي يعيشها. يقول الجادوي "فويل ثم ويل من المشعوذين الذين اتخذوا تنشيط المهج ذريعة لتنفيذ أغراضهم وتتميم مآربهم ولأعيان الجزائر النصيب الأول من هذه التعنية لاشتغالهم باقتناء الجياد المسومة والسروج المزركشة والبساتين النضرة ". وقد نبه الجادوي إلى السلطة الروحية التي يتمتع بها رجال الدين وكيفيه تحكمهم في مصائر الناس وانسياق الناس لهم وجعلهم في مرتبة الإله ينفذون أوامره ويأتمرون بأمره . يقول متحدثا عن إحدى الزوايا " فإذا بقاعاتها غاصة بوفود الزائرين من العرب ورئيس تلك الزاوية أو المفسدة متجليا في ثياب العزة تلوح على محياه بوارق الهيمنة و الوقار يأمر بالجلد والتنكيل ويبرم العفو و تخلية السبيل ويغضب على هذا ويرضى على ذاك والناس من حوله يكاد أن يسجدوا له من دون الله حتى خيل لي أنهم يعتقدون أن لو شاء صعق الثقلين لفعل"

وقد رأى الجادوي أن انجراف أهل القطر الجزائري وراء الشعوذة والخرافات وإهمالهم العلوم يحول دون مجاراة الأوروبيين و يساهم في تعميق التخلف . فقد كان السكان في جهالةمهلكة على حد تعبير الجادوي مقابل حضور فعال للأجانب حيث أنهم سيطروا على الإدارة والتجارة والفلاحة . وقد كان وصف الجادوي دقيقا للحالة التي آلت إليها الجزائر سنة 1905 يقول: "فلا تجارة تذكر ولا زراعة تؤثر ولا أرض تحرث وتعمر. ولا معارف تنشر بين أولائك الأقوام الكثيرين حتى أن المتجول في أنحائهم والمستكشف لأرجائهم لا يرى إلا رواج البضاعة الأجنبية وبوار المهناة الوطنية"

موقفه من ملكية العقارات

انتبه الجادوي في رحلته إلى ملكية الأجانب للأراضي الجزائرية. فأغلب الأراضي الصالحة للزراعة كانت على ملك الفرنسيين وبقية الأقليات الأوروبية التي استوطنت الجزائر في حين أن السكان الأصليين يشتغلون في هذه الأراضي بمقابل . يقول الجادوي : "أماكن البذر مساجة بأعواد مقامة فوقها ألواح منقوشة بأحرف دائرة بين البارون والكونت وقاقو".

فقد عملت فرنسا منذ دخولها الجزائر على توسيع ملكيتها للأراضي وأصدرت قانون 1863 ثم قانون 1873قارنيه ثم عدلته مرتين سنة 1887 و سنة 1897 وقد مكن هذا القانون الإدارة الفرنسية من مصادرة أراضي الجزائريين بكيفية شرعية في الظاهر وذلك بتسهيل الخروج من الملكية العائلية المشاعة. يكفي أن يتحيل الأوروبي على صاحب سهم في ذلك الملك مهما صغر ليرغم الآخرين على البيع في ظروف غير ملائمة ويستطيع بمساعدة المحكمة الفرنسية أن يستولي على المجموع بثمن بخس. إضافة إلى أن الوضع الاجتماعي المتردي فرض على أصحاب الأراضي بيع أراضيهم من أجل لقمة العيش. ولم تسلم الأراضي العمومية التي كانت تزيد على حساب الأراضي الخاصة من السلب لتصل ملكية المعمرين 687000 هكتارا في عشرين سنة بين 1871 و 1890 ونصف مليون هكتار انتقل في ظروف غير واضحة من أيدي الجزائريين إلى ملكية الأوروبيين.

وقد كان الجادوي على وعي بالمشروع الاستعماري الذي كان يسعى إلى تجريد الجزائريين من عقاراتهم يحاول تعزيز حضوره في الجزائر من خلال سلب الأراضي وتشجيع الأوروبيين على الاستيطان في هذا القطر و تقديم الامتيازات حتى ترسخ فيه أقدامها وتستنزف ما تبقى من خيراته. ولم تقتصر هذه الملكية على الأراضي الفلاحية بل تجاوزته إلى الجوامع والمدارس التي تحولت إلى كنائس و إدارات فرنسية.

موقفه من التجنيس

بادرت فرنسا بتشجيع الأوروبين على الإقامة في الجزائر و قدمت امتيازات في سبيل انجاح مشروعها الاستيطاني . وقد خصت فرنسا اليهود بامتياز التجنيس وحينما نقول تجنيس نقول اكتساب اليهود لنفس الحقوق التي يتميز بها المواطن الفرنسي سواء في الأحوال الشخصية أو في المعاملات أو في العقود والالتزامات، ويلتزم في المقابل بكل القوانين التي تعمل بها الدولة التي انتسب إليها. ورغم العداوة المفرطة بين اليهود والمسلمين فإن فرنسا مكنتهم من الجنسية دون غيرهم يقول الجادوي: "على أن فرنسا قد أنالت مجاوريهم اليهود امتياز الجنسية دون غيرهم وناموس إنصاف ينادي بأحقية الجزائريين و آثرتهم على الإسرائيليين إذ لا منفعة في هؤلاء سوى المزاحمة والمضايقة على عكس الأولين أولئك الذين يستعذبون طعم الحمام وراء صيانة شرف قلية ويرون مناصرتها من أجل الفروض علاوة أن جدهم مختط البلاد وواضع اليد"

وتفطن الجادوي إلى تعمد المستعمر استفزاز مشاعر المسلمين الجزائريين من خلال حادثة مد طريق عمومي بقرب مقبرة إسلامية في تبسة وقد دعت الضرورة إلى أخذ شيء من حافة المقبرة لكن عند الحفر عثر على أثار رومانية وتبين فيما بعد أنها تمتد على مساحة المقبرة . ومن ثمة وجب استكمال الحفر نظرا للقيمة التاريخية لهذه الآثار ومن بين الحفريات عثر على مقبرة رومانية يقول الجادوي : "و أعجب من هذا كله (و البقاء لله وحده) أن اكتشف على مقابر رومانية تحت الأجداث الإسلامية و عاينت بنفسي قبور الرومان تحت لحود المسلمين في الحفائر العميقة بحيث إذا جاء النظر من جهة الحفر تقابله اللحود كبناء ذي طاقين بين اللحد و اللحد نحو ثلاثة أذرع من التراب"

لكن عملية الحفر لم تحترم الجثث المدفونة حيث لم يتم تحويلها إلى مقابر أخرى وإنما تواصل الحفر وهو ما أدى إلى اختلاطها . وقد تألم الجادوي من مشاهدة العظام البشرية الناخرة و الجماجم الإنسانية و الوجوه الآدمية و القوائم من جسد الإنسان المكرم مبعثرة مهانة و مداسة و مختلطة ببعضها خاصة أن الدين الإسلامي يحترم الإنسان حيا كان أم ميتا. وهذا الأمر يجرح مشاعر المسلمين في الجزائر وفي العالم الإسلامي عموما ولم يكتف الفرنسيون بهذا الأمر وإنما اتهموا المسلمين بكونهم اعتدوا على المقبرة الرومانية واتخذوها مقبرة لهم. وقد اعتبر الجادوي أن هذه التهمة باطلة ولا أساس لها من الصحة لأن الدين الإسلامي يحرم دفن الأموات المسلمين في مقابر غير إسلامية كما يحرم دفن المسيحيين واليهود في مقابر إسلامية.

نلاحظ من خلال ما سبق عرضه الحس النقدي الذي تميز به الجادوي في نقل ما شاهده في رحلته إلى الجزائر وهذا يدل على وعي هذا المؤلف بمشروع فرنسا الذي عمل على إفراغ المجتمع من كل ما يساعده على المقاومة والتطور و سعى إلى بث الجهل الشعوذة وسلب الأراضي والتحكم في التجارة والإدارة . لذلك نجد الجادوي يحاول من خلال خطابه الحاد أن يستنهض الهمم وأن يحث أهل القطر على نشر التعليم وتعميمه لأن العلم فقط يمكنه من مجاراة الدول الأوروبية فيما وصلت إليه من تطور ومعرفة ، فبفضل العلم سيطرت على العالم واستعبدت الشعوب .

و كان الجادوي في كل كتاباته يعارض السياسة الاستعمارية وكل من يواليهم وهو ما زج به في صراعات متواصلة معهم. ولقد كانت رحلته إلى الجزائر رحلة توثيقية كشفت عن الواقع المرير الذي عرفته الجزائر في بداية القرن العشرين ( 1905 ) خاصة أن الإنتاج الفكري في تلك الحقبة التاريخية كان قليلا وهو ما يكسب نصوصه قيمة تاريخية.

وفاته

توفي الجادوي رحمه الله في 19 نوفمبر سنة 1951 بضاحية حمام الأنف. مخلفا بذلك حسرة في الأوساط السياسية والصحافية في تونس.

المصادر

  • هادية مشيخي. "التعريف بالجادوي وكتاب "الفوائد الجمة "". جامعة قاصدي مرباح، ورقلة.
  • محمد الطمار. تاريخ الأدب الجزائري (ط 1 .). الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع. . ص 109.
  • عثمان الكعاك. موجز التاريخ العام للجزائر من العصر الحجري إلى الاحتلال الفرنسي (ط 1 .). بيروت: دار الغرب الإسلامي. pp. ص.310.
  • عمار هلال. التعليم في الجزائر: أبحاث و دراسات في تاريخ الجزائر المعاصرة ( 1830 – 1962 ) (ط 1 .). الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية. . ص 102 – 103.
  • عبد الله العروي. مجمل تاريخ المغرب. 3 (ط 1 .). الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.  ص 163.
  • كتاب “الصحافي المناضل سليمان الجادوي” للجيلاني ابن الحاج يحيا.

 

الرجاء تسجيل الدخول لإضافة تعليقات