أعلام جربة: الشيخ إبراهيم الجمني

من هو "الشيخ ابراهيم الجمني" وماذا تعرف عن مدرستة؟

هو إبراهيم بن عبداالله بن إبراهيم بن أبي بكر بن عمر بن عبداالله بن منصور بن عبدالعزيز بن معين وينتهي نسبه إلى المقداد بن الأسود الكندي أحد الصحابة رضي االله عنهم. وقد هاجر أحد أجداده وهو معين من قرية الجديدة بالقرب من المدينة المنورة إلى تونس واستقر بإحدى واحاتها في الجنوب التونسي وهي واحة جمنة بمنطقة نفزاوة وآان والده من فقهاء الجهة وبذلك ينتمي الشيخ الجمني إلى أسرة عربية عريقة نزلت بالجنوب التونسي.

نشأته وتكوينه العلمي

ولد إبراهيم الجمني سنة 1628م (1037هـ) بقرية جمنة ولما بلغ أشده وبإشارة من أستاذه سيدي علي الوحيشي ارتحل إبراهيم الجمني إلى مصر لأول مرة سنة 1656م وأقام بالقاهرة تسع سنوات لطلب العلم بالجامع الأزهر فدرس على الشيخ عبدالباقي الذي أجازه في الفقه والنحو والمنطق ودرس أيضا على الشيخ الخرشي الذي أجازه في رواية الحديث النبوي وأخذ عن الشيخ عبداالله بن بلقاسم الجلالي أصيل المغرب الأقصى وفي سنة 1665م استأذن شيوخه للعودة إلى البلاد التونسية ويروون أن السفينة التي أبحر عليها من الإسكندرية قد غرقت بالقرب من السواحل الشرقية لتونس وخرج الشيخ من هذا الحادث سالما ولكنه فقد آتبه الثمينة وحرصا على هذه الثروة الفكرية رجع الشيخ إلى مصر وتزود بالكتب من جديد وعاد إلى مسقط رأسه لكن المناخ الفكري في قريته لم يكن ملائما للنشاط العلمي فما لبث الشيخ أن غادر جمنة ليستقر في جزيرة جربة سنة 1673م وقصد جامع الغرباء بحومة السوق حيث أخذ الطلبة يتدفقون عليه ويجلسون بين يديه للاستماع إلى دروسه فأدرآوا سعة علمه وتبحره في العلوم الشرعية.

انتصابه بالمدرسة المرادية

 

وصلت أخبار الشيخ الجمني إلى الباي حاكم تونس وهو مراد الثاني بن حمودة باشا وتقديرا لثقافته أذن مراد الثاني ببناء مدرسة في حومة السوق وبسانية التكيتك سميت المدرسة المرادية وتتألف هذه المدرسة من دور للسكنى )تحول إلى مقر الحماية المدنية( وبيت صلاة وضع محرابها سيدي أبوراوي من ذرية سيدي عبدالسلام وبها قاعتان رحبتان عليا وسفلى لإلقاء الدروس و60 غرفة أو خلوة لسكنى الطلبة الوافدين من أنحاء جربة والجنوب التونسي وتعتبر هذه المدرسة اليوم من المعالم الأثرية الممتازة للهندسة والفن المعماري للقرن السابع عشر ويعلوها صاري آان يرفع العلم التونسي طيلة الحكم الحسيني بالبلاد التونسية.

دور الشيخ بالمدرسة

كانت جزيرة جربة في ذلك العصر (أواخر القرن 17 وأوائل القرن 18) معقلا للمذهب الإباضي وأشار لهذا الوضع الديني الرحالة التيجاني اثناء عبوره بالجزيرة في القرن 13م.

قام الشيخ إبراهيم بمحاولة جريئة وناجحة فعكف على التدريس لمدة خمسين سنة (1674-1724) وقصده الطلبة المتعطشون إلى المعرفة من آامل الجنوب التونسي وقد بذل قصارى جهده لنشر المذهب المالكي وله اعتناء خاص بمختصر الخليل وآان وضع له حاشية تناقلها الدارسون رغم عدم طبعها وذآرتها المصادر السابقة وهو مواظب على قراءته آشأنه بالأزهر

تمه بمعية طلبته آل ستة أشهر وكان الشيخ يقوم باكرا لإيقاظ طلبته فيطرق عليهم أبواب الخلوات(الغرف) لينهضوا ويشرعون في العمل )قراءة الحديث، حفظ القرآن، شرح مختصر الخليل، الخ...( وهكذا آانت المدرسة المرادية مرآزا للإشعاع الديني ما دام الشيخ على قيد الحياة واستمرت آذلك بعد وفاته لمدة طويلة وتخرج على الشيخ عدة فقهاء أشهرهم صالح المكاشف وعلي الفرجاني وأبي عبداالله محمد الشرقي الذي مدح الشيخ في قصيدة شعرية تترآب من تسع أبيات. وقد أجاز الشيخ إبراهيم الجمني آل من رأى فيه الكفاءة وأرسله لإرشاد الناس لدين االله ولهذه المدرسة مثيلها ببلدة مطماطة وتدعى مدرسة سيدي موسى الجمني وهو شقيقه وقد سار على منواله.

خصاله

يروي محمود مقديش في "نزهة الأنظار" في شأن تزهد الشيخ وعدم
حرصه على المال، أنه لا يباشر ميزانية المدرسة بنفسه رغم إشرافه الأدبي عليها ويترك مهمة التصرف لوآيله فلا يعرف ما دخل من الدراهم وما خرج فكان وآيله في المدرسة يرفع الجلد الذي يجلس عليه الشيخ فيأخذ ما شاء ويضع ما شاء بدون أن ينظر إليه ويقول حسين خوجة في آتابه "ذيل بشائر الإيمان" إن الشيخ الجمني قدم من جربة إلى تونس لمقابلة الباشا إبراهيم الشريف حاآم تونس انذاك في شفاعة لابن أخيه عمر آان قد سجن من طرف السلطة المحلية وأثناء المقابلة احتقر الباشا الشيخ ولم يقبل له الشفاعة فانصرف الشيخ مكسور الخاطر ولما جاء الليل اضطربت أحوال الباي إبراهيم الشريف وضاقت نفسه فأمر باستدعاء الشيخ الجمني ولما حضر لديه طلب منه العفو وأطلق سراح السجين بعد أن شعر بنبل القضية التي جاء من أجلها الشيخ.

العراقيل التي واجهته

عاشت البلاد التونسية في الربع الأخير من القرن السابع عشر أزمة

سياسية خطيرة تميزت بالنزاع الذي نشب بين أفراد البيت المرادي على السلطة وخاصة بين محمد وعلي ورمضان والذي انتهى بمقتل آخر المرادين وهو مراد الثالث من قبل إبراهيم الشريف وفي هذا الإطار تمردت القبائل بالبلاد التونسية وثار بعض الدايات على السلطة المرآزية فاغتنمت عائلة بن جلود الحاآمة بجربة ضعف السلطة بتونس لتستقل بدورها في الحكم على المستوى الجهوي وقد واآب الشيخ الجمني هذا الوضع وتعرض الفقيه إلى مضايقات مالية من طرف حكام جربة وهم سعيد وعبدالرحمان واحمد أبناء جلود إذ فرض هؤلاء على الشيخ ضريبة ثقيلة عجز عن دفعها مما أدى به إلى مغادرة الجزيرة سرا والالتحاق بالعاصمة واستشفع بإخوانه الفقهاء آالشيخ أبي عبداالله الغرياني الذي مكنه من الاتصال بالباي حسين بن علي مؤسس الدولة الحسينية وعلم الباي أن للشيخ الجمني دورا هاما في نشر تعاليم الدين الاسلامي السمحة ولا غرابة إذن أن يرفع حسين بن علي ما كان على الشيخ من ديون وان يزيل عليه الظلم والضغوط المجحفة. تعظيما لقدره واعترافا له بالخدمات التي أداها في سبيل نشر المذهب المالكي بجربة خاصة والجنوب عامة ورغم انتمائه إلى المذهب الحنفي بذل حسين بن علي مع الشيخ إبراهيم الجمني جزيل الإحسان واثر وفاته (نوفمبر 1774 الموافق لربيع الثانية من سنة 1134) أمر ببناء قبة خضراء على ضريحه وهكذا اكتملت المدرسة الجمنية وتداول على منصب التصرف فيها وتنشيط الحياة الدينية داخلها وآلاء من أحفاد الشيخ إبراهيم أولهم عمر الجمني واخرهم الطيب الجمني وآان هذا الأخير قلبها النابض ولسانها الناطق لمدة عشرين سنة قبيل الاستقلال ولنفس الغرض أوقف حسين باي على المدرسة المعنية بعض الأراضي الفلاحية وحبس لها العقارات لضمان إصلاحها والنفقة على طلبتها المقيمين بها.
_________________________
المصدر: كتاب جزيرة جربة في موكب التاريخ
للشيخ يوسف بن احمد الباروني
جمع وإعداد سعيد بن يوسف الباروني
__________________________

الصور، نقلا عن صفحة "خواطر جربية"

Login or sign up to comment